Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


تفكك الطوائف في لبنان(٤): الدرزية السياسية في القوة الناعمة للجنبلاطية

في نهاية سلسلة "تفكك الطوائف في لبنان"نطرح الدرزية السياسية في قراءة ترتكز على النهج الجنبلاطي.

الإثنين ٢٧ ديسمبر ٢٠٢١



اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

أنطوان سلامه- يشكل الدروز في لبنان محورا أساسيا يفعل ويتفاعل في التاريخ والسياسة والاجتماع وثقافة الحياة.

جذب الدروز الرحالة الأجانب في القرون الماضية، لخصوصية معتقدهم ومظهرهم وطريقة عيشهم في عمق الجبل، لكنّ هذا الاهتمام من البحاثة في دراسة الدروز عقيدة وأسلوب عيش، انتقل، منذ الثمانينات، الى الشيعة، تحديدا حزب الله.

هذا لا يعني أنّ الدروز بقياداتهم وتياراتهم تراجعوا الى هامش المسارات السياسية في لبنان، لكنّ هذا المدخل يفتح السرد على البدايات.

فكما ظهرالتشيّع في الدائرة الإسلامية، كظاهرة اعتراض، في الصراع الأول على الخلافة، بين الصحابة القريشيين، وبين "أصولية" أهل البيت المتمثلين في علي ، ابن عم النبي وصهره ووالد سبطيه الحسن والحسين، فإن الدروز انطلقوا كاعتراض داخل الحركة الإسماعيلية.

خلافات الدروز في المنظومة الإسلامية تخطت الوراثة الى " اللاهوت" ، فتفردوا مسارا في التوحيد توجها الى تقديس "العقل".

من المفارقات، أنّه كما تطور ظهور الشيعة والدروز اعتراضا في إطار المنظور الإسلامي العام، تطورت المارونية في دائرة الخلافات العقائدية المسيحية ، فظهرت بعد المجمع الخلقيدوني المنعقد العام ٤٥١،واحتدم خلافها مع "غير الخلقيدونيين" حتى سقطت قافلتهم الأولى من الشهداء في كمين لأعداء عقيدتهم.

اذا، قامت الدرزية والشيعية والمارونية على الاعتراض أو المُخالفة.

القاسم المشترك بين الأقليات الثلاث، أنّ من اضهدها هو المُختلف معها في الدين الواحد.

على هذا الأساس جمعهم الجبل "لاجئين- مختبئين" أو يطلبون الحرية، ينتظمون ، من الشمال الى الجنوب مرورا بالجبل ، في جماعات رفض.

وفي هذا الجبل بدأ تناحرهم، على الأرض قبل أن ينتقل الى السلطة.

انطلقت المارونية في اطار بطريركي تنتظم في أبرشيات وأديار توازيا مع إقطاع انهار.

الحكم الاقطاعي عرفه الشيعة منذ القرن الثالث عشر ثم تفكك.

بقيت الاقطاعية الدرزية حيّة، ويلاحظ الدكتور كمال الصليبي تعاونا بين زعماء هذا الاقطاع وبين عقّال الدروز، ويسجّل أمرا أهم وهو أنّ الدروز تعلّقوا "بترابهم" فعاشت عائلات درزية نفسها في القرى والبيوت نفسها على مدى قرون من دون انقطاع.

هذا التجذر لم يمنع الدروز من التفاعل مع محيطهم كأصحاب هوية عربية.

في كل هذا المسار، برزت العائلة الجنبلاطية  كقاطرة.

ومهما صُنفت " الجنبلاطية"  إقطاعا أو غيره، فإنّ التصنيفات تصغر في التأريخ الذي يواكب الحركة التي أحدثتها الجنبلاطية في الدائرة اللبنانية امتدادا الى المدى الأوسع.

الجنبلاطية محور في تاريخ الدروز ولبنان.

لذلك لا يصح مقاربة الموقع الدرزي في المنظومة السياسية اللبنانية الا من زاوية قصر المختارة.

يخطئ من يتخطى هذه المعادلة. من حاول ارتطم.

يعرف نبيه بري هذه القاعدة، ولا يجهلها حزب الله الذي يتعاطى مع وليد جنبلاط بازدواجية العصا والجزرة، ولمس جيدا، في مواجهات السابع من أيار العام ٢٠٠٨، أن العصا تُكسر.

وأدرك رفيق الحريري محورية العائلة الجنبلاطية  في صنع القرار الداخلي وهذا ما عرفه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير.

يخطئ بالممارسة من يتخطى العائلة الجنبلاطية أو يستضعف قواها، تارة بالتلاعب على ازدواجيتها مع الارسلانيين أو بخلق "زعامات" جانبية.

فهل في هذا الحديث مبالغة؟

لن نعود الى التاريخ الجنبلاطي من الامارة والقائمقاميتين والمتصرفية والانتداب والاستقلال.

سنتوقف عند ظاهرة وليد جنبلاط بعباءته السياسية التي ورثها عن قامة والده كمال جنبلاط.

في الطائف وتطبيقه تحديدا، لم ينل الدروز "حصتهم" في تركيبة الدولة، أي مجلس الشيوخ.

لا يطالب وليد جنبلاط ، ولا يهتم بتحقيق هذا المطلب- الإنجاز.

صبّ جنبلاط جهده في تنفيذ أعراف " الدرزية السياسية".

نعم للدروز كما الموارنة والسنة والشيعة " قواعد" أو "مدرسة" سياسية لها نهجها.

تعتمد الدرزية السياسية بقاطرتها الجنبلاطية على التوازن الداخلي.

هي "بيضة القبان" حين تتناحر الطوائف.

حتى الميثاق الوطني الذي لم تلحظ أعرافه دورا محددا للدروز كما في توزيع السلطات على الطوائف الأخرى، اجتاز كمال جنبلاط هذا "الإجحاف" وفرض نفسه متساويا مع رؤساء السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأكثر، تحوّل الى مرجعية تُسقط التجديد للرئيس بشارة الخوري، وتصنع رؤساء الجمهورية.

تدخّل في رسم المسارات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وللتذكير قاد معارك ضدّ الاحتكار (مثلا كسر محاولات مجموعة  بيسون في احتكار الحمضيات العام ١٩٤٧)،وكافح الفساد، انطلاقا من تجربة الرئيس بشارة الخوري، فأطلق السؤال الساري المفعول : " من أين لك هذا؟"

تعامل مع الرئيس كميل شمعون من الند الى الند.

تقدّم في الإصلاحات الشهابية. وعرف عهد شارل حلو ازدواجية زعامتي بيار الجميل وكمال جنبلاط.

ولم تشطب المطالب الاجتماعية التي طرحها الامام موسى الصدر الوهج الجنبلاطي، كما لم تنتزع السنية السياسية اطلالة جنبلاط القيادية في تبني العمل الفدائي بمبالغة لا مجال هنا لتقييمها نقدا.

وفي الحرب اللبنانية قاد الحركة الوطنية في مواجهة " الانعزالية" كما كان يسمي أحزاب وتيارات المارونية السياسية الى أن ارتطم في " الجدار العلوي" السوري.

فمهما ارتفعت قامات في الساحات، من كميل شمعون وصولا الى صائب سلام مرورا بالامام الصدر بقي كمال جنبلاط "أمير" الحدث السياسي، يصنعه ساعة يشاء، ويبدّل مساراته حين يريد.

في هذه المدرسة من " الدرزية السياسية" تقدّم الى الصدارة وليد جنبلاط كوالده، أولا بين الأوائل.

بجرأة، تحالف مع المتهمين باغتيال والده، في " تقية" أربحته معارك الحرب الأهلية. خسر كمال جنبلاط حرب الجبل الأولى، وربح  وليد جنبلاط الثانية ، مستعيدا مجد الامارة ولو على أنقاض المعالم المسيحية في الجبل.

 ومذ انطلق الطائف في توازناته الجديدة، قرأ الواقع، وتغلغل في "سلطة الترويكا" قوة ناعمة، تحضر في لحظة القرار، وتحصد في بيدر الغلال.

لا تُقاس الجنبلاطية عدديا، لأنّ معيارها ثلاثة:

تحالفات خارجية متينة.

قاعدة طائفية صلبة.

ومبادرة سياسية.

ومهما تراجع " العدد" أو تقلّص، فالجنبلاطية هي " الحركة" في الساحة السياسية، والمبادرة  للمواجهات وللتسويات وللصدمات التي تفاجئ في الاستدارات .

 فالحديث عن خطر "المجتمع المدني" على الجنبلاطية مبالغ فيه في الجبل ، لارتباط الجنبلاطية بتاريخ الدروز، وللتعقّل الدرزي في قياس الأحجام، فلا حجم يعلو فوق دار المختارة حتى اشعار آخر.

هذه المعادلة لم يقدرها بشير الجميل في ذروة قوته، وأخفق جبران باسيل في مقاربتها، ولا يُحسب حساب كبير " لحراك ١٧ تشرين" حين تشتعل المعركة  السياسية الطاحنة أو المنازلة بالفراعة.

هل يعني هذا الكلام أنّ الجنبلاطية بخير. لا.

يدفع الدروز كما الموارنة ثمنا غاليا لفرض حزب الله استراتيجيته على لبنان، حربا وسلما.

لا يمكن للجنبلاطية أن تتقدّم على الحزب كما تقدّمت على رموز الموارنة والسنة.

لم تعد الجنبلاطية قاطرة بوجود الحزب مثلما كانت في "قبع" الرئيس بشارة الخوري، أو في تهجير المسيحيين من الجبل، أو في قيادة " الحركة الوطنية" حتى في "١٤ آذار" تقدّم سعد الحريري على وليد جنبلاط.

فشلُ المنظومة في إرساء استقرار اقتصادي واجتماعي هجّر الدروز الى اغتراب .

الاقتلاع من الأرض مقتل الدروز، ومقتل الموارنة... ولا يمكن أن يوازن التحالف الماروني الدرزي "غير المُكتمل دوما" مع المارد الشيعي في ظل تفكك قواعد السنية السياسية.

يصل وليد جنبلاط الى مرحلة تسليم العباءة الى ولده تيمور في معطيات لم يحسب لها  "العقل" الدرزي :

ماذا يفعل جنبلاط أمام الهجرة وهي وحش لا يرحم الأقليات الصغيرة في غابات الأقليات الكبيرة والأكثريات.

في كل ما يحصل، بقي وليد جنبلاط ينظر الى المدى العربي، أو الإسلامي السني المعتدل، كأفق فيه عافية الاستمرار، حتى دروز سوريا لم يقطعوا التواصل مع الحكم العلوي، ولم يحاربوا المعارضة "السنية" في ارتباطها العربي.

قدر "الجنبلاطييين" ، ودروز المنطقة، في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، أن يمارسوا أعلى درجات التعقل.

هذا فن من فنون الدرزية السياسية.

به ربحوا في لبنان الكبير بعدما أخفقوا في الامارة الشهابية وفي ثورة السلطان باشا الأطرش ...

أنعشتهم السياسة، وأرهقهم الاقتصاد.

فهل يصدق وليد جنبلاط حين وصف الثنائي الدرزي الماروني بالهنود الحمر كشعب على طريق الانقراض؟

هل هي المبالغة أو الخطر أو قلق الوجود بمعنى البقاء ؟


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :45660 الجمعة ١٩ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :42506 الجمعة ١٩ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :42095 الجمعة ١٩ / يناير / ٢٠٢٤
معرض الصور