Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


لمياء المبيّض: الكتابة الجريئة تحت حبل المشنقة

صدر عن مؤسسة دار الجديد كتاب للمياء المبيّض بعنوان  "ليلى ...أو معنى أن تكون في غير مكانك".

الخميس ٢٣ يونيو ٢٠٢٢

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 أنطوان سلامه- من زاوية أخرى تطل لمياء المبيّض، من كاتبة في الاقتصاد والإدارة والشأن العام، أي من كاتبة رأي وتحليل واستنباط، الى كاتبة في الادب السياسي.

في هذا الاتجاه يندرج كتابها الجديد، ليدفق في مسار تعبيري عن تبدّل المكان كحالة تواكبها الشخصية الأساسية في الكتاب، وهي ليلى والدة الكاتبة.

من شجرة العائلة وما تحمله من ترابط في "الرفض" والاعتراض، داخل البيئة- الطائفة، وداخل الوطن وما يحتويه من أمراض طائفية، يتداخل العرض في سرد يندمج فيه الخاص مع العام، وخيطه الجامع ليلى.

ليلى اليسارية الهوى الني تختزن ثقافة ووعيا وقدرة على التعبير عن آرائها التي تخرج عن الخط الشائع، فتطرح الأسئلة الموجعة  قبل أن تسترسل في أجوبة وصراخ.

في أفكارها ما يستعيد زمن الأيديولوجيات ، في نبذ الطائفية واللُبنانوية ، والدعوة الى المواطنة، ، والرشد الوطني اللاطائفي.

يسلك الكتاب في أهمية ما تطرحه ليلى، مسارات متعرجة، أكثر أهمية، وأكثر خطورة خصوصا في التغريد خارج السرب، أو في المشي على طرقات وعرة في وطن يغرق في حرب أهلية تتصارع فيه الطوائف في متاريس الغرائز.

تقود كل طرقات ليلى الى المكان.

المكان محور أساسي في الكتاب، أو الرواية التي تستمد من راويها شحنات التذكّر.

التذكر استرجاع صدى يأتي من هذا المكان الذي اسمه " الضاحية الجنوبية" لبيروت بما يحمله الاسم من حاضر ترفضه ليلى، برموزه وتعابيره وتبدلاته، ليصبح الحنين، في ما ترويه، أقوى من شعور نوستالجي ورومنسيّ وبكائي، ليحمل انتفاضة.

وانتفاضة ليلى جريئة لملامستها المحرمات التي تقود حكما الى المس بمقدسات جماعية، يتمثّل الحكم المتوقع  فيه بهدر الدم.

هي الجرأة في ما تقوله ليلى، وفي ما تنقله لمياء ككاتبة تكشف أحاديث الدار مع والدتها.

هو الحديث الحميم، خلف الجدار والباب المغلق، يصبح عصب الكتاب، وقنابله القابلة للانفجار في أي لحظة.

وتندفع لمياء في السرد الممنوع الكشف عنه، في "البيئة المُغلقة" في زمن طائفي يميل الى مذهبية انقيادية الانتماء، وفي مكان برمزيته المتوحشة في التبدّل.

هذا ما ترفضه ليلى كبطلة الرواية.

المكان في ماضيه، وماضيها، فسحة اطمئنان، تقاربه ليلى بحواسها الكاملة، كمشهد متكامل في هناءة العيش، في تنوعات ايمانية واجتماعية وثقافية.

ما تتحدث عنه ليلى عن ضاحية مضت يفصلها عن الضاحية الحالية مسافات زمنية، وتحولات في الجوهر، والصميم المجروح.

في هذه المسافات الفاصلة تجرؤ لمياء على نقل ما تفكّر به ليلى، وما تبوح به، في الجلسة الحميمة التي تجمع والدة مع ابنتها، برمزية يغلّفها أحيانا، ضباب التستر أو التقيّة،أو بلغة رفضية واضحة المعالم في أحيان أخرى، وفي الحالتين، تطرق ليلى ومعها لمياء ، باب المحرمات.

في الضاحية الماضية خلاص وجمال وحب وعيش.

في الضاحية الحالية ضجيج وفوضى الحواس، واندفاع الى أسوأ.

لا ينحصر الأسوأ في مكان محدّد، يتمدّد في وطن ينهار، أوهو في انهيار وطني متواصل، طالما يغرق أبناؤه في مربعات الطائفية... الدويلات.

هذا ما تعتقده ليلى.

وليلى ليست الوحيدة التي ترفض، فشجرة العائلة تُثقلُ أغصانها شخصيات تمتهن الرفض، من عبدالله الحاج(1975-1899) الى لقمان سليم(2022-1962 )، وعلى هذا الخط المتصاعد في التمرد، تسكن ليلى.

وفي حين تعرض لمياء أفكار عبدالله الحاج التشريعية والسياسية والاجتماعية والرفضية، وتتوقف عند "الغائه" من الذاكرة الوطنية، كظاهرة برلمانية جريئة الطرح، تحاكي لمياء لقمان محسن سليم، بلغة خاصة، هدّارة بالعاطفة.

وتسترجع لمياء من خلال، حواراتها مع ليلى، في صوت الراوي،وجوها عائلية بسيطة وحرة، في أمكنة وأزمنة، باتت في الذاكرة، أو من خلال هذه الأمكنة والوجوه تصف وطنا في تاريخه المضطرب، وانقساماته العنيفة. 

الراوية ليلى التي تنتمي الى مكان "شيعي" تعود اليه بما تشتهيه في هذه " الشيعية" المتأصلة في جبل عامل الزاهي، لقربه من بيت المقدس، تفضّل ان تنتمي الى ساحل المتن الجنوبي الذي زال بكل تلاوينه الاجتماعية، والعمرانية، والثقافية، في عاداته وتقاليده وسمفونية موسيقاه من هواء وهدير بحر ونهر وحفيف أوراق شجر وياسمين و"ربيعات الصّبار".

هذا الساحل الذي فيه طعم النبات والخُضار في جنائن البيوت التي احتضنت وجوها جميلة ونقيّة، من بلقيس ومصطفى الحاج وجريس الطيّار وماريا وعامليون يتحدرون من سلالات العلماء في انفتاح العقل والوجدان على "اسلام العلم".

وبين ساحل المتن  وبين الضاحية، تقفز لمياء فوق السور، الى بيروت في أحيائها، وشوارعها، خصوصا الحمراء وكاراكاس، فتؤرخ بقدر ما تسجّل ملامح التبدلات، في صياغة أدبية تنهمر منها ظلال المدينة التي تتحوّل.

ومهما ابتعدت لمياء في نقلها ما ترويه ليلى، تعود الى المكان، كنقطة انطلاق، ومحور الرواية.

مكان يتأرجح بين حرب وسلام مفقود.

اللغة مشدودة على وتر.

تريح قراء ة الهوامش في تفسيرها التاريخي والاجتماعي للأمكنة، وكأن لمياء لا تريد التخلي عن ثوبها  كناشطة وباحثة في الشأن العام، لكنّها تعبّر في روايتها، بأسلوب يشبهها، في قلق رصين، فيصل الى القارئ مشحونا على ايقاعات متناقضة،ومتنافرة، من الحنين في انسيابه اللفظي، وفي التعبئة في غليانها الأقصى.  

وبين الهامش الغني بالمعلومات و بين السرد الروائي، توصي لمياء بثورة.

توصي بها ليلى الجدّة ل يُمنى وسارة وجود.

لمياء المبيّض تكتب رواية عن أمها وأفكارها وتوصيفها لتاريخ لبنان في حربه وتدمير ذاته بذاته.

وتكتب ما يتخطى الوجوه والأمكنة، تغوص في التحولات، في بيروت التي أصبحت "بيروتات"، وفي لبنان الذي انحل في "الجزر الطائفية".

تعلن موقفا سياسيا يطال وطنا وطائفة.

وفي الحالتين تكتب وكأنّها تضع عنقها في حبل مشنقة.

جريئة لمياء في كتابتها على حدود الذاكرة الملعونة، تكسر المحظور وكأنّه اللعبة في يد طفلة تحلم دوما ... وتكتب.

"ليلى ...أو معنى أن تكون في غير بيتك" رواية، أو سيرة ذاتية في كتابة تلاحق معنى الأمكنة حين تزول... ومعاني الانسلاخ والتمزّق والغربة...

  *توقع لمياء المبيّض كتابها في ٣ تموز ٢٠٢٢، الخامسة عصرا، في حديقة دارة محسن سليم.


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :44740 الجمعة ٢٩ / يناير / ٢٠٢٤
مشاهدة :41586 الجمعة ٢٩ / يونيو / ٢٠٢٤
مشاهدة :41190 الجمعة ٢٩ / يناير / ٢٠٢٤
معرض الصور