في وداع طلال سلمان الذي مات أكثر من مرة
توفي ناشر صحيفة "السفير" اللبنانية طلال سلمان عن 85 عاما بعد تدهور صحته.
الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣
أنطوان سلامه- يرحل طلال سلمان ومعه ترحل صفحة من تاريخ الصحافة اللبنانية. تغيب معه بيروت- المطبعة والمقهى والجرائد الورقية على الرصيف بعناوين مثيرة تهزعروشا في ممالك العرب. منذ أن أصدر طلال سلمان جريدة السفير العام ١٩٧٤ في بيروت، تحت شعار "صوت الذين لا صوت لهم"، تحوّل ناشرها الى قنّاص في متراس من متاريسها، قطف سريعا الصدارة الى جانب جريدة النهار وناشرها غسان تويني. من "صيّاد" سعيد فريحة، جمع أمتعته، في الأسلوب، وفي الهوية العربية، فتربّع في السفير، كاتبا يثير في كل ما يكتبه جدلا، تتناثر خلفه غبار المعارك اللبنانية، حتى صار الهدف للاغتيال في العام ١٩٨٤، في ذروة الحرب اللبنانية وجنون محاربيها، بعد أن فُجرت مطابع جريدته في العام ١٩٨٠، ونجت عائلته من استهداف منزله. قد يُقال أنّ طلال سلمان عاش أكثر من دورة واحدة في الحياة، لأنّه لامس الموت مرات عدة، تخندق في فلسطين كأساس ، وفي الناصرية كحنين، الى أن أضحى الفعل المقاوم هويته "العربية". في كل هذه المناخات، استمر طلال سلمان لاذعا، الى أن أقفل السفير في كانون الثاني من العام ٢٠١٧، فانزوى برغم اطلالات متفرقة، منبريا والكترونيا، عبر موقع حمل اسمه واسم "على الطريق". تميّز طلال سلمان، بأسلوب " الأدب السياسي" الذي أجاد حبكته، وشحنه بومضات من الانحياز والتصلّب والتفرّد أيضا. عداؤه لإسرائيل من ثوابته كما من ثوابت بيئته الحاضنة. انتقاده المارونية السياسية علنيّ الصرخة، ثم انتقل الى انتقاد " السنية السياسية" متمثلة بالحريرية، هاجمها وهادنها، وحين سيطرت " الشيعية السياسية" على البلاد، انسحب، فما تراه كان سيقول عنها، لو كان قلمه لا يزال صلب العود؟ لم تقتصر كتابات طلال سلمان على لبنان كجمهورية طوائف متناحرة، وسّع "بيكاره" الى الدول العربية وأنظمتها، مستثنيا بعض هذه الأنظمة من انتقاده، ومن تهجماته، فتح صفحات جريدته للحوار فاتسعت للرأي والرأي المعاكس. تمكّن من جعل جريدته منصة لا يمكن لمسؤول عربي أن يحكم من دون أن يقرأ "السفير". تشبّع طلال سلمان من الروح المصرية، تاريخا حديثا وتراثا فنيّا، وبقي قلمه بارز الانتماء الى المدرسة اللبنانية للصحافة التقليدية. ومع كل المعارك التي خاضها، لبنانيا وعربيا، بقي على تواصل مع الجميع، مع مؤيديه ومعارضيه، وبقى الصحافي المشاغب حتى رمقه الأخير. *** عرفتُ طلال سلمان من خلال الزميل العزيز واصف عواضة، عرفته في السهرات، ضاحكا مغنيّا رقيقا، وكأنّه غير الناشر والكاتب الذي في السفير. وعرفتُ فيه، من خلال لقاءات، ذاك اللبناني الذي يعرف قيمة بلاده، يعترف أنّ "زمنا جميلا" عاش فيه، مناضلا حتى دخول السجن، حالما بتحرير فلسطين، مؤمنا أنّ لبنان ،بثقافته وحريته، هو الهادي الى مسيرة التحرير. اعترف مرارا، أنّ بيروت كانت " المنتدى الفكري والشارع الوطني والمشفى والمقهى والجريدة والكتاب. كانت عاصمة الحرية وحق الاختلاف". هل هذه البيروت التي وصفها طلال سلمان ستوارى في الثرى معه؟ ربما، أو ربما ستُدفن مع من بقي من جيله المبدع. *** نبذة: ولد طلال سلمان في بلدة شمسطار في شرق لبنان العام 1938، تزوج من عفاف محمود الأسعد ولهما أربعة أولاد. له مؤلفات عدة بينها "مع فتح والفدائيين"، و"الى أميرة اسمها بيروت"، و"سقوط النظام العربي من فلسطين الى العراق"، و"هوامش في الثقافة والأدب والحب"، وغيرها...
