Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


محضر محادثات هنري كيسنجر وسليمان فرنجية: مقاربة مختلفة فجّرت حرباً أهلية

ينشر ليبانون تابلويد محضر محادثة الرئيس سليمان فرنجية مع وزير الخارجية الاميركية هنري كيسنجر استنادا الى الأرشيف الأميركي الرسمي.

الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

المحرر السياسي- أخطر ما في هذه المرحلة التي يمرّ بها لبنان أنّ حزب الله في حرب "المساندة" لم يستدرج إسرائيل فقط الى المواجهة الواسعة مع لبنان  بل استدرج الولايات المتحدة الأميركية ليتواجه لبنان معها في ردّه على ما يُعرف بالورقة الأميركية، في عهد الرئيس دونالد ترامب "بصبره القصير" الذي يرى لبنان مفتاح الاستقرار الإقليمي.

وفي وقت أدخل الموفد الأميركي لبنان في سياق "هندسة جديدة وتصميم جديد لحل الأزمة" حيث يرى أنّ حزب الله "مشكلة داخلية" لكنّه يرى أيضا أنّ التغييرات السريعة في الإقليم تفرض على لبنان اقتناص الفرصة لتحديد موقعه في الخريطة الجديدة، فتذكّر دعوته  بزيارة وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر الى لبنان في عزّ الحرب الباردة ودعوة لبنان الى "ركوب" القطار الأميركي لينجو بنفسه.

لذلك استرجع " ليبانون تابلويد" في بحثه في أرشيف وزارة الخارجية الأميركية ، نص المداولات بين الجانبين اللبناني والأميركي العام , 1973 في مجلد عنوانه:

   "Foreign Relations of the United States, 1969–1976, Volume XXV, Arab-Israeli Crisis and War, 1973"

أي "العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، 1969–1976، المجلد الخامس والعشرون، الأزمة والحرب العربية–الإسرائيلية، 1973" .

وما يفيد في هذا العنوان التوثيقي في ذاكرة الخارجية الأميركية ربط المجلد بحرب العام 1973 تماماً كما يرتبط لبنان حاليا بالحرب على ايران-غزة-لبنان.

يسجل هذا الأرشيف الأميركي بصورة عملية صنع السياسة الأمريكية في مواجهة الأزمة العربية–الإسرائيلية، مع إبراز آليات اتخاذ القرار داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية وكل الأجهزة ذات الصلة.

يتضمن المجلد أكثر من 425 وثيقة متنوعة، تحدد دور البيت الأبيض ووزارة الخارجية في سياق الحرب العربية الاسرائيلية.

جاء في "محضر محادثة بيروت، 16 كانون الأول/ديسمبر 1973"

الحاضرون عن لبنان:سليمان فرنجية، رئيس الجمهورية-تقي الدين الصلح، رئيس الوزراء-فؤاد نفّاع، وزير الخارجية-اللواء إسكندر غانم، قائد الجيش اللبناني- نجيب صدقة، المدير العام لوزارة الخارجية اللبنانية.

عن الولايات المتحدة:هنري أ. كيسنجر، وزير الخارجية-ويليام بافوم، سفير الولايات المتحدة لدى لبنان-جوزيف ج. سيسكو، مساعد وزير الخارجية -هارولد هـ. ساندرز، من طاقم مجلس الأمن القومي- كميل نوفل، مترجم، وزارة الخارجية.

نص المحادثات بالانجليزية (ترجمة ليبانون تابلويد)

كيسنجر: أشكركم على الاستقبال الحار للغاية الذي منحتموني إياه. إنه دليل على العلاقات الوثيقة بين بلدينا. لقد أجريت معالي وزير الخارجية(فؤاد نفاع) محادثة مفيدة جداً هذا الصباح. تحدثنا معه بصراحة تامة. وأود أن أضيف إلى النقاط التي شرحتها لوزير الخارجية ملاحظةً بشأن الدور الأمريكي – السوفياتي في المفاوضات(السلمية بعد الحرب العربية الاسرائيلية)، وهي ملاحظة لم أرغب بذكرها في اجتماع أكبر. ليس لدينا أوهام بشأن الاتحاد السوفياتي، لكننا نعتقد أن بإمكانهم التسبب بأضرار أقل إن شاركوا في مؤتمر السلام، مقارنة بما يمكن أن يسبّبوه لو كانوا خارجه، حيث يمكنهم دعم الجماعات الراديكالية المعارضة للمؤتمر. كما شرحتُ بصراحة، مهما كانت الترتيبات الرسمية للمؤتمر، سنتعامل مع الأطراف التي تبدو لنا الأكثر فائدة. هدفنا هو تقليص الدور السوفياتي في العالم العربي، لا تعزيزه. نريد أن نناورهم بطريقة تمنعهم من تحقيق مكاسب. وأقول لكم هذا بمنتهى السرية.

فرنجية: نرحب بكم. ونتمنى لكم كل النجاح في جهودكم الرامية إلى إحلال السلام، وهو ما نصبو إليه جميعاً. قد تتساءلون لماذا نحن ضيوف اللواء غانم اليوم. [مازحاً] هذه أول خطوة في تحركنا ضدكم! لقد حرمتونا من عطلة نهاية أسبوع هادئة بمجيئكم، فقررنا أن نقوم برحلة نهاية أسبوع لطيفة، وبهذا حرمناكم من متعة مشاهدة تظاهرة ضدكم في بيروت.

كيسنجر: ظننت أن العديد من طلابي السابقين أرادوا استقبالي.

فرنجية: لبنان هو الدولة الوحيدة من البحر المتوسط حتى اليابان التي لا يزال نظامها يشبه الأنظمة الغربية. بعد الحرب العالمية الثانية، اعتبرت الدول العربية نفسها مؤيدة للغرب، لكنها لم تكن تكنّ ودًا للمستعمرين. ثم جاء موضوع فلسطين، ففرض تغييرات على هذه المنطقة وأنظمتها. على سبيل المثال، صعد ناصر(جمال عبد الناصر) ضد فاروق(الملك فاروق) نتيجة لقضية فلسطين. وفي سوريا،(عبدالكريم) قام قاسم بانقلابه لنفس السبب، ثم تتابعت الانقلابات في سوريا لهذا السبب.

المقصود هو أن الأنظمة بدأت تتغير منذ خمسينيات القرن الماضي نتيجة لهذه القضية. ثم جاءت حرب السويس عام 1956، وكان موقف الغرب خلالها سببًا في انقلابات كثير من الدول ضد المعسكر الغربي. للأسف، نتيجةً لهذا التحول نحو الشرق، اضطرت الدول للحصول على أسلحتها من هناك، مما زاد من نفوذ المعسكر الشرقي. كما أن السلوك غير الودي لبعض الدول "الصديقة" تجاه هذه المنطقة فتح الباب أمام النفوذ الشيوعي.

حتى في الدول العربية الموالية للغرب، اتهم الناس قادتهم بالخيانة العظمى. ومع ذلك، استعاد أصدقاء الغرب صداقتهم معه. أنا شخصياً أعرف الكثير عن التظاهرات المعادية للغرب، فقد وُجهت جزئياً ضدي. وغالباً ما يكون منظمو التظاهرات ضد الغرب من الشباب الأمريكي. لقد تظاهر المواطنون الأمريكيون في لبنان ضد بلدهم – ونحن نعتقد أنهم كانوا على حق. مرة، مشى مواطنون أمريكيون في لبنان مسافة 40 كيلومتراً للتظاهر ضد الولايات المتحدة. فعندما يرى الأمريكيون نتائج قضية فلسطين، ويعيشونها بعيداً عن التأثير الصهيوني، يشعرون بما يشعر به العرب هنا.

ونحن نعلم أنه خلال السنوات الـ25 الماضية، كان تأييد القضية العربية من قبل أي سياسي أمريكي، قبل أن يُستخدم النفط كسلاح سياسي، بمثابة انتحار سياسي. لكن اليوم، بعد أن أثبت النفط فعاليته كسلاح، بات على كل أمريكي وعربي أن يعمل من أجل حل قضية فلسطين. بعد حرب تشرين، وبعد الدعم الأمريكي لإسرائيل، وبعدما تأكد العرب من فعالية النفط كسلاح سياسي، نعتقد أن أي تأخير في التسوية العادلة قد يؤدي إلى انقلابات راديكالية في الدول النفطية.

وإذا سقط الملك فيصل، أو أمير الكويت، أو أمراء الخليج، من سيخلفهم؟ لقد حدث شيء مماثل في عدن. من استلم الحكم هناك لم يكونوا شيوعيين فحسب، بل ماويين. إذا وصلنا إلى مثل هذه الحالة، من سيمنع الشيوعيين من السيطرة على المنطقة بأكملها؟ ما الفائدة التي يمكن أن تتحقق إذا حدث ذلك؟

إذا استمرت إسرائيل في الوجود ضمن هذا السياق، فإنها ستعيش في سجن كبير. لا جدوى من الوصول إلى حل تكون فيه إسرائيل في سجن. أما إذا تمكنت إسرائيل، بفضل جهودكم، من العيش كدولة حرّة، فعلى العرب أيضاً أن يعيشوا كدول حرّة. وهكذا تُحفظ مصالح الغرب والعرب، ويزول هذا الحرج الذي يشعر به كل صديق للولايات المتحدة. ما أقوله، أعتقد أنه صحيح، ما لم يكن هناك مخطط أمريكي لخسارة الشرق الأوسط بأكمله. وأنا لا أعتقد أن الأمر كذلك. فلا دولة مستعدة لأن تتخلى عن مبادئها فقط من أجل تأسيس قاعدة في إسرائيل. ولا أعتقد أن هذا جزء من التخطيط الأمريكي.

وأود أن أعلق على بعض النقاط في حديثكم مع وزير الخارجية:

أولاً، تحدثتم عن حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في العيش كبشر.

ثانيًا، تحدثتم عن مشكلة القدس. كما تعلمون، كانت مدينة عربية منذ وجود العرب. ثم جاءت الديانة اليهودية، التي وُلدت أيضًا في فلسطين. وكذلك المسيحية. ولكن مضى أكثر من 800 عام بين آخر سيطرة يهودية على القدس وبين السيطرة العربية. وفي القرن العاشر، ظهرت الروح الصليبية المتطرفة في أوروبا، واحتلت القدس لمئتي عام. وتبيّن أن الذين جاؤوا باسم الدين كانت لديهم دوافع سياسية. ثم اختلفوا فيما بينهم – وأتوقع أن يحدث هذا في إسرائيل – حتى جاء بطل عربي وحرّر القدس. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1948، عاش المسلمون والمسيحيون واليهود العرب في القدس بسلام.

نتمنى على القادة الإسرائيليين أن يسترجعوا هذه الأحداث، لأننا نؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه. تبقى قضية واحدة – هي القضية التي التزمتم بها. ونحن نتمنى لكم كل النجاح في هذا الجهد. سلفكم، الوزير روجرز، قدم خطة روجرز. وكان من الصعب على العرب قبول وجود إسرائيل. أما الآن، فكل ما نطلبه هو أن تستمر إسرائيل في الوجود برغبة من العرب، وإلا فلن تتمكن من الاستمرار في هذه المنطقة.

في الختام، أود أن أقول إن لبنان هو أكبر مثال على تعايش الأديان. لدينا سبعة عشر طائفة. رئيس الوزراء مسلم، وأود أن أترك له المجال ليعبّر عن رأيه.

رئيس الوزراء: ليست لدي وجهة نظر خاصة. أنا أوافق الرئيس. الاختلاف الوحيد بيننا هو أنه يصلي في كنيسة، وأنا أصلي في مسجد. بما أنك كنت أستاذاً في التاريخ، فقد تكون على علم بقصة النبي محمد. عندما زاره وفد من الأحباش المسيحيين، وحان وقت الصلاة، تساءلوا عن المكان المناسب لكل طرف. فقال محمد: ليصلّ المسلمون في ركن، والمسيحيون في ركن آخر. لطالما أردنا أن تكون فلسطين للجميع، وهذا هو ما نريده اليوم. المسلمون الذين يديرون القدس، دائماً اعتبروا أن لأهل الكتاب مكانة فيها. والدول العربية من المحيط إلى الخليج ضمت وزراء يهود في حكوماتها على مر السنوات.

وفي الختام، أود أن أقول إن هذه المشكلة لا يمكن حلّها إلا على يد الولايات المتحدة، ولا أحد يستطيع أن يقنع العرب بغير ذلك. فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على إقناع إسرائيل وتحقيق النتائج. ومن المهم أن تفهم الولايات المتحدة العرب.

كيسنجر: أقدّر كثيرًا هذا الشرح الصريح. كما تعلمون، نحن منخرطون في جهد كبير لإحلال السلام في هذه المنطقة. ولكي ينجح هذا الجهد، يسعدني أنكم تدركون أهمية دور الولايات المتحدة. فالكثير من حلفائنا يجيدون الخطابات، وإذا أردتم خطاباً، أوصيكم بالأوروبيين أو اليابانيين.

فرنجية: لا. نريد أفعالاً.

كيسنجر: إن أردتم أفعالاً، فعليكم التعامل مع الولايات المتحدة، ويجب أن نعمل بطريقتنا. الفعل يستغرق وقتاً أطول من الخطابة. في الداخل، قد نواجه رد فعل داخلي قوي. ولذلك، كما نحن مطالبون بفهم الموقف العربي، فإن العرب أيضاً مطالبون بفهم موقف الولايات المتحدة.

نحن نتحرك في وضع بالغ التعقيد لإحلال السلام. ولا يمكننا خوض جميع المعارك في وقت واحد. أحد أخطاء سلفي أنه وضع كل أفكاره في ورقة واحدة. لذا، عليكم أن تدركوا حاجتنا إلى الوقت. نحن نعتقد أننا نعرف ما هو المطلوب، لكن علينا تنفيذه بطريقتنا الخاصة. وحتى الآن، ليس لدي أي شكوى في هذا الخصوص من الزعماء العرب الذين تحدثت معهم. يبدو أنهم يفهمون.

وبما أنكم تحدثتم بصراحة، أود أن أعلق على موضوع النفط. لقد فهمنا أنه عندما بدا أن الولايات المتحدة تتحرك ببطء، أو تدعم إسرائيل، اتُخذت إجراءات تدل على استياء العرب. وقد فهمنا ذلك.

أما الآن، وقد التزمنا بجهد كبير من أجل السلام، فلا يصح أن يُعاقب الشعب الأمريكي في وقت يحاول قادته مساعدة العرب. وإذا واجهنا صعوبات في الولايات المتحدة هذا الشتاء، فسيتحول الرأي العام ضد العرب، لا ضد إسرائيل. حتى حد معين، فهمنا. وسنُظهر حسن النية عبر تنظيم مؤتمر سلام، وتنظيم محادثات بشأن فك الاشتباك العسكري. لكننا دولة عظيمة لديها مبادئ تحميها. وإذا استمر الضغط إلى ما بعد هذا الحد، فسنتوقف عن أي تحرك. أعتذر عن صراحتي، لكن أعدكم بأنني سأبذل جهداً كبيراً. وبلا شك، فإن أصعب محطة لي في هذه الرحلة ستكون زيارتي القادمة إلى إسرائيل.

فرنجية: خوفنا الوحيد هو أن تنتهي الصداقة التاريخية بين الولايات المتحدة والعرب.

كيسنجر: عليكم أن تفهموا ما فعلناه خلال الحرب. لماذا أرسلنا أسلحة إلى إسرائيل؟ حين اندلعت الحرب، قررنا أن تنتهي بأسرع وقت ممكن، وأن نبدأ فوراً بعدها بتحقيق التسوية. خلال الحرب، كنا نخشى أن تحقق الدول التي تسلّحت من الاتحاد السوفياتي وضعاً مهيمنًا. والمفارقة أن الولايات المتحدة كانت مضطرة لمنع انتصار السلاح السوفياتي، كي تتمكن بعد الحرب من إحلال السلام بوصفه عملاً أمريكياً. وبالمفارقة نفسها، فإن مساعدتنا لإسرائيل أنقذت لبنان والسعودية، اللتين يجب أن تكونا قلقتين من التمدد السوفياتي في المنطقة. وإذا نجحنا الآن في تحقيق السلام، فسيفهم الناس أن ذلك أيضًا نتيجة فعل أمريكي.

رئيس الوزراء: هذا ما نريده أن يتحقق. [في هذه المرحلة)

 (انتقل المجتمعون إلى الغداء.)

 هارولد هـ. ساندرز [توقيع مطبوع]

المرجع: الموقع الإلكتروني الرسمي: https://history.state.gov Office of the Historian

Office of the Historian - U.S. Department of State


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :56136 الثلاثاء ٠٨ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :53158 الثلاثاء ٠٨ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :52254 الثلاثاء ٠٨ / يناير / ٢٠٢٥
معرض الصور