Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


حين يكون الطلاق أرحم من البقاء: بين نظرة المجتمع وصوت الطفل

ليس الطلاق دائمًا نهاية مؤلمة، كما أنه ليس دائمًا الحلّ الأسوأ. ففي بعض الأحيان، يكون الاستمرار في زواجٍ مكسور هو الجرح الحقيقي الذي يترك أثره الأعمق في نفس الطفل.

الإثنين ١٠ نوفمبر ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

سيلينا كريدي- يُعدّ قرار الطلاق أو الاستمرار في الزواج رغم الخلافات من أصعب القرارات التي يمكن أن يواجهها الوالدان، خصوصاً عندما يكون في حياتهما أطفال يتأثرون بكل ما يدور حولهم. كثيرًا ما يتساءل الأزواج: أيهما أفضل لأطفالنا من الناحية النفسية؟ أن نبقى معًا رغم المشاكل، أم ننفصل لتجنّب أجواء التوتر الدائم؟/ فعلى الرغم من أنّ المجتمع غالبًا ما يُمجّد فكرة "الأسرة المتماسكة"، فإنّ علم النفس يُثبت شيئًا آخر.

 أشارت الاختصاصية  إلين داوود إلى أنّ الطلاق بحدّ ذاته لا يؤدي بالضرورة إلى مشاكل نفسيّة لدى الطفل، بل إنّ الجو العاطفي داخل المنزل هو ما ينعكس سلبًا على نفسيته.

 فإذا كان الجو في البيت يسوده الصراخ الدائم وطريقة العيش غير السليمة، فإنّ ذلك يؤدي إلى خلل نفسي ويُشعر الطفل بعدم الأمان. وهذا بدوره يضعف تركيزه ويؤثر سلبًا على نشاطه وأدائه في المدرسة. وأحيانًا، نتيجة هذا التوتر، قد يُصاب بعض الأطفال بالتبول اللّيلي أثناء النوم، أو يُعانون من الأرق والقلق طوال الليل.

 في مثل هذه الحالات، قد يكون الطلاق هو القرار الأنسب من أجل مستقبل أفضل للطفل، خصوصاً إذا رأى أن علاقة والديه بعد الطلاق قائمة على الاحترام والتفاهم، إذ سيشعر عندها بالاستقرار الداخلي والراحة النفسية. ولكن علينا أن ننتبه فقد أظهرت دراسات أُجريت في جامعة ميشيغان أنّ الطلاق في حد ذاته لا يُعدّ سببًا مباشرًا للمشاكل النفسية لدى الطفل، بل إن طريقة تعامل الوالدين بعد الانفصال هي العامل الأكثر تأثيرًا. فعندما يستمر الوالدان في التواصل باحترام، ويقدّمان للطفل حبًا واستقرارًا عاطفيًا، فإن الطفل غالبًا ما يتأقلم بسرعة ويستعيد توازنه النفسي خلال فترة قصيرة. أضافت الطبيبة أنّه، وللأسف، لا يزال مجتمعنا العربي متمسّكًا بفكرة "الأسرة المتماسكة" رغم كثرة الخلافات داخل البيوت، ورغم الثمن النفسي الكبير الذي يدفعه الأطفال. لكن على المجتمع أن يدرك أنّ العائلة ليست مجرد بيت وجدران يعلوها الصراخ والعنف والضياع، بل هي مكان يشعر فيه الفرد بالراحة والاستقرار، فذلك وحده ما يساعد الطفل على تكوين شخصيّته بطريقة سليمة ومتوازنة.

 قصة نغم وإيلي: عندما يصبح الطلاق قرارًا نابعًا من الحب

بعد انفجار بيروت في الرابع من آب عام 2020، لم تعد حياة نغم كما كانت. كانت قد تزوّجت حديثًا من إيلي، زواجًا لم يمرّ عليه سوى ثلاثة أشهر، عندما فقدت شقيقتها سحر فارس الإطفائية الشجاعة التي هرعت إلى موقع الانفجار ولم تعد.

 رحيل سحر قلب عالم نغم رأسًا على عقب. دخلت في حالة صدمة نفسية عميقة، لم تعد قادرة على النوم أو الأكل أو التواصل مع من حولها. البيت الذي جمعها بإيلي كان هو نفسه المكان الذي سمعت فيه صوت الانفجار، وتلقّت فيه خبر وفاة أختها، فصار المكان بالنسبة لها رمزًا للألم والخسارة.

 حاول إيلي، بكل ما يملك من حبّ وصبر، أن يساعدها على تجاوز هذه المرحلة. كان يعتقد أن إنجاب طفل قد يُعيد الفرح إلى حياتهما، فاقترح أن يبدآ صفحة جديدة. وبعد محاولات طويلة، تحقق الحلم، وجاء طفلهما إلى الدنيا ليملأ حياتهما بالضوء.

 لكنّ الجرح في قلب نغم كان أعمق مما تصوّر إيلي. فقد أحبّت طفلها بشدة، واهتمّت به بكل طاقتها، لكنها لم تستطع أن تستعيد شعورها بالأمان أو القدرة على العيش في البيت نفسه الذي شهد لحظة الفقد الكبرى في حياتها.

 اقترح إيلي عليها أن تراجع طبيبًا نفسيًا، لعلّها تجد طريقًا للشفاء، لكنها رفضت الفكرة مرارًا. كانت تقول إنها بخير، لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك. كانت تعيش جسديًا فقط، بينما بقي قلبها عالقًا في يوم الرابع من آب.

 مرّ الوقت، لكن الحزن ظلّ مقيمًا بينهما. أصبح الصمت لغة العلاقة، والبيت امتلأ بذكريات موجعة أكثر من الضحك. حاول إيلي إصلاح ما يمكن إصلاحه، لكن كليهما كان غير سعيد، والطفل كان يكبر في أجواء يخيّم عليها الحزن والتوتر.

 وفي النهاية، وبعد تفكير طويل، قررا أن ينفصلا بهدوء. لم يكن الطلاق بينهما فشلًا، بل كان قرارًا شجاعًا لإنقاذ طفلهما من بيئة مؤلمة. قال إيلي يومها:

 "أُفضّل أن يكبر طفلنا بين والدين منفصلين ومتفاهمين، على أن يعيش بين والدين تحت سقف واحد يربطهما الألم فقط."

 وهكذا بدأت مرحلة جديدة في حياة نغم وإيلي كلٌّ منهما يسعى للشفاء بطريقته، لكنهما اتفقا على شيء واحد: أن يمنحا طفلهما بيئة مليئة بالحب والاستقرار، حتى لو كان ذلك من بعيد.

 إذا على الاهالي أن يفكروا بمصلحة الولد وليس بمصلحة المجتمع. فالمجتمع لا يعيش مع الطفل، ولا يشعر بقلقه أو حزنه، بينما الوالدان هما المسؤولان عن تشكيل عالمه الداخلي.

 


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :56703 الإثنين ١٠ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :53764 الإثنين ١٠ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :52804 الإثنين ١٠ / يناير / ٢٠٢٥