Lebanon News I ليبانون تابلويد : أخبار الساعة من لبنان والعالم!


غاز شرق المتوسط: إسرائيل في  نادي النفوذ الإقليمي ولبنان على الهامش

 تستثمر إسرائيل الغاز جيوسياسياً في  مقابل عجز لبنان عن تحويل ثروته البحرية إلى قوة اقتصادية وسياسية في شرق المتوسط المتحوّل.

الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠٢٥

اخبار ليبانون تابلويد الآن عبر خدمة
اضغط هنا

 المحرر السياسي- لم يكن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل" مع مصر، بقيمة 35 مليار دولار من حقل ليفياثان، حدثًا اقتصاديًا معزولًا، بل محطة مفصلية في إعادة رسم توازنات شرق المتوسط.

 فالغاز لم يعد مجرّد مورد طبيعي، بل تحوّل إلى أداة جيوسياسية تعيد تشكيل التحالفات، وتفتح الأبواب أمام أنماط جديدة من الانفتاح العربي والإسلامي على إسرائيل، في مقابل تراجع أدوار دول تملك الموارد نفسها لكنها تفتقر إلى القرار والاستراتيجية، وفي طليعتها لبنان.

 من ساحة صراع إلى فضاء مصالح خلال العقد الأخير، انتقل شرق المتوسط من كونه هامشًا جغرافيًا للصراعات الإقليمية إلى قلب معادلة الطاقة العالمية، لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا وتراجع الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.

هذا التحوّل أعاد تعريف قيمة الغاز الإسرائيلي والقبرصي والمصري، ورفع منسوب التنافس ،والتعاون في آن ، بين الفاعلين الإقليميين.

 في هذا السياق، أدركت إسرائيل مبكرًا أن موقعها في شرق المتوسط يمنحها فرصة نادرة: التحوّل من دولة محاصَرة سياسيًا في محيطها إلى شريك طاقوي لا يمكن تجاوزه. فأنشأت شبكة مصالح عابرة للسياسة التقليدية، عنوانها الطاقة، ومضمونها الأمن الاقتصادي المتبادل.

 الغاز كمدخل إلى الشرعية الإقليمية

 تعاملت إسرائيل مع اكتشافات الغاز، وخصوصًا حقل ليفياثان، باعتبارها "ثروة سيادية" يجب حمايتها واستثمارها وتسويقها سياسيًا. فنسجت شراكات مع شركات دولية كبرى، وربطت بنيتها التحتية بالمنظومة المصرية لتسييل الغاز، ما سمح لها بالوصول إلى الأسواق الأوروبية والعالمية دون الحاجة إلى بنى مكلفة أو محفوفة بالمخاطر.

 الأهم من ذلك، أن إسرائيل استخدمت الغاز كأداة "تطبيع هادئ". فالعلاقة الطاقوية مع مصر، ثم مع دول أخرى في شرق المتوسط، أسست لواقع إقليمي جديد قوامه المصالح لا الشعارات. وفي ظل اندفاع عدد من الدول العربية والإسلامية نحو سياسات براغماتية، بات الغاز أحد مفاتيح إعادة إدماج إسرائيل في المنطقة، من دون انتظار تسويات سياسية شاملة.

 لبنان بثروة بلا استراتيجية

 على الضفة المقابلة، يمتلك لبنان مؤشرات واعدة لثروة غازية بحرية، وقد حقق إنجازًا تقنيًا وسياسيًا بترسيم حدوده البحرية الجنوبية. غير أن هذا الإنجاز لم يُستكمل بخطوة استراتيجية. فالغاز في لبنان لا يزال حبيس التجاذبات الداخلية، ومعلّقًا بين خطاب سيادي مرتفع السقف وواقع اقتصادي منهار.

 الغاز والتطبيع

 لم ينجح لبنان في تقديم نفسه لاعبًا موثوقًا في معادلة الطاقة في شرق المتوسط. فغياب الاستقرار السياسي، وتعدد مراكز القرار، وارتهان الملفات الاقتصادية لحسابات داخلية وإقليمية، حوّل الثروة البحرية من فرصة جامعة إلى عنصر قابل للنزاع بدل أن تكون رافعة لإجماع وطني. إلى ذلك، ساهمت هيمنة الخطاب الأيديولوجي العروبي – اليساري، وتقاطعه مع تحالفات حزب الله الإقليمية، في جعل أي مقاربة اقتصادية عرضة لمنظومات فكرية تخرج من منطق الحسابات الاقتصادية البحتة إلى فضاءات رمزية وأسطورية، وكأن بعض الدول العربية، وفي طليعتها مصر، أقل عروبة أو التزامًا إسلاميًا، أو كأن الارتباط بمحاور إقليمية يُقدَّم بوصفه قيمة تعلو على المصالح الوطنية المباشرة.

في اللحظة التي تستخدم فيها إسرائيل الغاز لتعزيز حضورها في العالم العربي والإسلامي الآخذ بالتطبيع، يجد لبنان نفسه خارج هذا التحوّل، لا لأنه يرفضه مبدئيًا، بل لأنه عاجز عن توظيف أوراقه، فالدول لا تنفتح على الشعارات، بل على المشاريع والاستقرار والقدرة على الالتزام.

 وهكذا، بينما يدخل الغاز الإسرائيلي إلى القاهرة ومنها إلى الأسواق العالمية، يبقى الغاز اللبناني افتراضيًا، مؤجَّلًا، ومعلّقًا على تسويات داخلية لم تنضج بعد. الفارق هنا ليس في الجغرافيا ولا في الموارد، بل في الرؤية السياسية وفي فهم العلاقة بين الاقتصاد والسيادة.

 شرق المتوسط لا ينتظر المترددين

 تكشف المقارنة بين لبنان وإسرائيل في ملف الغاز حقيقة قاسية: شرق المتوسط يعيد تشكيل نفسه بوتيرة متسارعة، ومن لا يحجز موقعه اليوم قد يجد نفسه خارج المعادلة غدًا. فقد أدركت إسرائيل مبكرًا أن الطاقة ليست مجرد مورد اقتصادي، بل أداة نفوذ ووسيلة لاكتساب شرعية إقليمية.

في المقابل، يغامر لبنان بأن تتحول ثروته البحرية من فرصة إنقاذ وطني إلى فصل إضافي في سجل الهدر التاريخي.

 وفي زمن تتحول فيه البراغماتية إلى اللغة الغالبة في المنطقة، يبقى السؤال اللبناني معلّقًا: هل ينجح لبنان في الانتقال من منطق الانتظار إلى منطق المبادرة، أم يكتفي بدور الشاهد على ولادة شرق متوسط جديد لا مكان له فيه؟

 ويبقى السؤال الأعمق موجّهًا إلى من جعلوا، في مراحل سابقة، الالتزام بالناصرية أو تقديس القضية الفلسطينية أولوية تعلو على المصلحة الوطنية اللبنانية: ماذا يقول هؤلاء اليوم أمام تحوّل الطاقة إلى معيار القوة الجديدة؟

 وماذا سيقول، ربما غدًا، من يعتبر أن الانخراط في خط «الممانعة» يتقدّم على حسابات العرض والطلب في أسواق إقليمية ودولية تُعاد صياغتها انطلاقًا من الثروات البحرية والبرّية؟

والأهم هو التوقف عند الخطوة المصرية وتوقيتها في شراكة الطاقة مع إسرائيل، إذ فصلت القيادة المصرية بين متطلبات المصلحة الوطنية ومجال إدارة القضية الفلسطينية. وهي خطوة تتجاوز إطار التقييم السياسي الآني إلى مستوى استخلاص العِبَر، لكونها تعبّر عن مقاربة براغماتية تضع مصالح الشعب في صدارة القرار، من دون أن تعني بالضرورة التخلي عن المواقف التاريخية أو الثوابت المعلنة.

 


أحدث مقاطع الفيديو
مشاهدة :56892 الخميس ١٨ / يناير / ٢٠٢٥
مشاهدة :53956 الخميس ١٨ / يونيو / ٢٠٢٥
مشاهدة :52997 الخميس ١٨ / يناير / ٢٠٢٥