يواجه رئيس الحكومة سعد الحريري سلسلة من الضغوط التي تلقي بثقلها على كاهله، وتتراكم هذه الضغوط مع ما تحمله من استحقاقات مصيرية.
الأربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩
يواجه رئيس الحكومة سعد الحريري سلسلة من الضغوط التي تلقي بثقلها على كاهله، وتتراكم هذه الضغوط مع ما تحمله من استحقاقات مصيرية.
فالرئيس الحريري، الذي يمثّل طائفته، في تراتبية السلطة اللبنانية، يرافق في رأس هرم السلطة التنفيذية، رئيسا للجمهورية قويا حتى في ظل اتفاق الطائف، فهو مضطر، بحسب الدستور، الى التعايش معه في القيادة، فيخوض تجربة في الحكم جديدة، لم يعرفها والده في "زمن الوصاية السورية" التي كانت تحكم فعلا.
والتعايش المفروض على الحريري يأتي في سياق "التعايش مع شخصية عدوّة ماضيا" وعداوتها كانت قاسية، لكنّ الطرفين حققا "تسوية" تهتز دوما، وهذا الاهتزاز يدفع ثمن "ترميمه" الحريري الذي يضطر الى التنازل، ما يُثير شارع طائفته كما حدث في تشكيل الحكومة والجدل على صلاحياتها الدستورية.
يعرف الحريري أنّ الرئيس عون بالشبكة التي صاغها إقليميا، مع سوريا وايران، ومحليا، مع حزب الله وعدد من قوى الثامن من آذار، وتمثيله المسيحي الواسع تحت عباءة بكركي، تجعل منه "أخطبوطا" عاصيا في كثير من الحالات السياسية، فهو يملك القاعدة، ويتفنن في كسب الوقت لإضعاف خصمه والوصول الى غاياته السياسية، وهو ما يجعل مساكنة الرئيس عون صعبة المراس.
ويواجه الحريري حزب الله الأقوى إقليميا ومحليا، وهو حزب متماسك، يغتني بتركيبة سياسية-مالية-عسكرية-أمنية-جماهيرية، لا يُستهان بجبروتها. ويواجه هذا الخصم السياسي العنيد في ظل موازين قوى عامة وخاصة، لا تميل اليه.
وينطلق الحريري في مواجهاته وحيدا، بعدما تفرّق "عشاق الرابع عشر من آذار" ويتحمل في هذا الاتجاه مسؤولية، حاصدا ثمن تخبطه في خياراته غير الواضحة، فلم يربح حليفا جديدا بالرغم من التقارب مع التيار الوطني الحر، وخسر حلفاء "أصليين".
حتى إقليميا، يتحرك الحريري، في خلفية لا تساعده، بل اضطهدته. فالساحة السعودية صعبة، ومعقدة، خصوصا في عهد الملك سلمان وولي عهده، ومن يقارن بين التحالف مع ايران والتحالف مع السعودية يشعر أنّ التحالف الأول يبني على صخرة وليس على رمال متحركة.
أما الأميركيون، فالاقتراب منهم صعب في هذه المرحلة، فالرئيس دونالد ترامب أعلن "حربا على ايران" من بواباتها بيروت، ويضغط على السلطة المختصة في لبنان لتحجيم حزب الله، وهذا أمر تعجيزي.
وإذا كان الحريري نجح في الحفاظ على العلاقات التي نسجها والده مع الرئاسة الفرنسية، فإنّ فرنسا لاعب خلفي في المسرح الدولي.
يبقى المدى السني الذي من المفترض أن يكون الحريري سيده.
ما تشير اليه معركة طرابلس أنّ الحريري يحتاج الى "حلفاء محليين" لينجح في مبتغاه.هذا دليل على أنّه لم يعد الأقوى بمفهوم الزعيم الأوحد، فالانتخابات النيابية الأخيرة، على الرغم من نسبيتها، أظهرت الحريري مشتت القوى.
فهل ينجح الحريري في إمساك كرات النار في يد واحدة.
يتضح في السياق العام، أنّ الحريري أدرك أخطاءه، لكنّ أخذ العبر مسألة أخرى وصعبة.
والملاحظ أنّه يتحرك الآن وفق توجه يوحي بأن استراتيجيته هي التالية: التعامل مع التناقضات بروح مرنة.
هذا ما يُستشف من تعامله مع رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله.
وهذا ما توحي به الصورة التي جمعته مع أشرف ريفي في منزل الرئيس فؤاد السنيورة.
وهذه ما ستكشفه الملفات الساخنة مستقبلا، من مكافحة الفساد والنهوض الاقتصادي الصعب، وصولا الى معالجة ملف النازحين السوريين.
يبقى السؤال، وماذا عن الزعامة السنية؟
تعود الجغرافية لتلعب دوراً في تحديد الموقع السياسي للبنان خصوصا مع نضوج صفقة التطبيع الاسرائيلي السوري.
في خضم التوترات السياسية التي يعاني منها لبنان منذ سنوات، عادت إلى الواجهة مسألة حصرية السلاح بيد الدولة.
تقدم ملف حصرية السلاح على ما عداه من ملفات مطروحة على العهد والحكومة.
استهداف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة، كعمل إرهابي، يحمل انعكاسات سياسية واجتماعية وأمنية عميقة على المسيحيين في سوريا ولبنان.
على هامش التسابق الى اعلان الانتصارات في المواجهة الاسرائيلية الايرانية يمكن الجزم بأنّ لبنان سجل انتصارا بتحييد نفسه.
تصاعدت التساؤلات بشأن موقع حزب الله بعد الزلزال الإقليمي فهل انتقل من الهجوم الى الدفاع المنكفئ؟
بدأت تطرح أسئلة كبرى بعد اعلان وقف اطلاق النار في الاقليم، من الرابح والخاسر، والاقليم الى أين في ظل موازين قوى جديد.
فرضت الضربة الاميركية على المفاعلات النووية الايرانية موازين قوى جديدة في الاقليم والعالم.
ضربت القوات الأميركية ثلاثة مواقع نووية رئيسية في إيران، وحذر الرئيس ترامب من هجمات أعنف إن لم توافق طهران على السلام.
اندفع حزب الله في الساعات الماضية باتخاذ مواقف من المواجهة الاسرائيلية الايرانية بعكس توجهات السلطة اللبنانية.